آخر الأخبار

السبت، 7 سبتمبر 2013

تلول ميسان الأثرية بين الأساطير والألغاز وإهمال الجهات المعنية





تقرير.. ماجد البلداوي//
تشير حكايات وروايات أسطورية وهواجس حتى وقت قريب  لدى عدد كبير من أبناء ميسان الى وجود أكثر من ثلاثمئة تل أثري/ اليشن/ منتشرة في مناطق متفرقة من المحافظة ضمن المدن والقرى والبطائح/ لاندري مامدى مصداقيتها... وكثيرا ماتثير أسئلة هل  ان تلك الروايات من نسج الخيال؟ أم أنها محض اعتقادات ليس لها أي وجود في ارض الواقع...؟ في حين أن البعض يسوق أمثلة قد تصل إلى أنها واقع وليس خيالا وهي جزء من المعتقدات الشعبية/ المثولوجيا/
 الوكالة الوطنية العراقية للأنباء/ نينا/ توجهت الى عدد من الباحثين في مجال الآثار والتراث لمعرفة مكنونات تلك التلال وقيمتها التاريخية وابرز المكتشفات التي حصلت.
يقول  الباحث والمؤرخ الدكتور كريم علكم الكعبي :"حفلت المثولوجيا الشعبية لدى أجيال عديدة عن التلال التي يتراوح عددها بين 300ـ350 تلا آثاريا/ أيشان/ باللغة السومرية/ أثيرت حولها الكير من الشكوك وحيكت بشأنها القصص والخرافات والظنون التي تشيرالى احتوائها على كنوز ثمينة إلا انها محاطة بغابات القصب والبردي ومسكونة من قبل/ الجن/ لتعذر الوصول اليها لقصة /حفيظ/ وتل الذهب/ وغيرها من المسميات.
وأضاف:"إن مثل هذه الأساطير ظلت حبيسة بتعاقب الأجيال و ان بعض الشواخص لاتزال موجودة إلا انها عانت من إهمال السلطات والجهات المسؤولة عنها حتى تعرضت لتخريب الطبيعة والإنسان دون مبالاة بأهميتها وقيمتها التاريخية سوى عدد قليل منها اذ عززت بصور توثق تاريخيتها وقيمتها العلمية والتي تشمل المعابد والقصور والقبور والبيوتات القديمة والتماثيل الحجرية التي عثر عليها وتعود الى السلالات القديمة.
 وتابع:" ان مايدفعنا الى الاشارة لهذا الموضوع مسوغات عديدة أهمها الاهتمام بهذه التلال الأثرية لان بيئتها مكونة من تربة طينية عرضة لعمليات التعرية المائية والظروف الجوية الأخرى قد تعمل على إزالتها وطمس معالمها فضلا عن قلة اهتمام الجهات المختصة في الآثار وافتقارها الى عمل جاد للتنقيب وتشكيل فرق تنقيب تمارس عملها في هذه التلول خشية تعرضها للكوارث الطبيعية  وألاعمال العبثية للبعض.
 وأشار علكم الى ان تلك التلال وبحسب الإحصائيات الرسمية تتوزع بواقع /11/ تلا في مركز قضاء العمارة و/16/ تلا في قضاء علي الغربي و/9/ تلال ناحية العدل التابعة لقضاء المجر الكبير و/12/ تلا في قضاء قلعة صالح و/22/تلا في قضاء الكحلاء و/25/تلا في قضاء الميمونة و/75/ تلا في ناحية ام عبيدة في منطقة سيد احمد الرفاعي و/24/ تلا في ناحية السلام و/38/ تلا في ناحية المشرح و/15/ تلا في ناحية علي الشرقي و/29/ تلا في ناحية كميت و/51/ تلا في ناحيتي العزير والخير و/28/ تلا في ناحية الطيب فضلا عن أكثر من /361/ موقعا اثريا في عموم المحافظة نقيب في عدد من المواقع ومسح نحو /100 /موقع أخر منها مسحا آثاريا دقيقا
 ويقول الباحث في مجال الآثار عدنان هاشم حسوني الهاشمي:"لم تشهد محافظة ميسان أي تنقيبات أثرية لاعتقاد الحكومات الطائفية المتعاقبة بان آثار ميسان تعود إلى السلالات  الفرثية والساسانية إلا انه بعد التغيير  الذي حصل في العراق عام 2003م أنجزت أعمال تنقيب وعلى قلتها تم تنقيب ثلاثة مواقع أثرية كانت مهمة لموسم واحد للفترة من 2007 ولغاية 2011 وشملت / تل أبو شيجة/ في منطقة الطيب عام 2007م و/تل الكبان/ على طريق البتيرة قرب مركز مدينة العمارة عام 2010م و/تل العكر/ في ناحية الخير ضمن منطقة الصحين في قضاء المجر الكبير عام 2011م.
وأضاف:"   بدأ العمل في التنقيب في تل/ أبو شيجة/ بعد أن احدث مجرى نهر الطيب أضرارا بالغة في الموقع نتيجة وقوعه على حافة النهر مباشرة ولغرض اكتشاف الموقع بشكل جيد تم العمل في عدة مناطق من الموقع كونه من المواقع المهمة اذ يقع على بعد 66 كم من مدينة/ سوسة/ الأثرية الواقعة غرب إيران إذ ان وجود نهر الطيب كان السبب في وجود عدد من المستوطنات في المنطقة التي سكنتها أقوام عديدة إذ انتشرت القرى على امتداد النهر الذي كان مصدر رزق للسكان لوجود المياه والأسماك بشكل كبير فوفر لهم الغذاء بشكل دائمي وكذلك اصبح كانا ملائما لتربية الحيوانات الأليفة فضلا عن وجود الحيوانات البرية كالغزلان والطيور باعداد كبيرة جدا.
 وتابع:" نتيجة لاعمال التنقيب في الموقع تم العثور على عدد من الأبنية المهمة في الموقع وعثر على عدد من القبور واكتشاف معبد للمدينة أو قصر بالقرب من النهر استنادا الى الأماكن التي شغلتها هاتان المؤسستان في المدن العراقية القديمة كما تم العثور على بعض الجدران الشاخصة فوق مسطبة وكانت هذه الجدران مبنية باللبن مما يدل على انها تمثل أنماط البناء في فترة موغلة في القدم وعثر أيضا على سور ودكة مبنية بالطابوق المربع ووجود عدد من /التنانير/ وقبور أخرى ومرافق خدمية أخرى فضلا عن وجود عدد كبير جدا من قطع الفخار والعثور على بناية ضخمة بنيت جدرانها من اللبن المهندس من الخارج أما باطنها فقد بني بقطع من اللبن والطين وكان عرض جدرانها اكثر من متر وكذلك وجود ممرات وتم العثور على لغرفة معقدة التركيب قليلا وعثر على سنارة/قاعدة باب/ وجدت عليها كتابة مسمارية اذ انه باب المعبد الخاص بالمدينة ومن هنا يتضح وجود ميزة معمارية جيدة وذلك بوجود نمط للبناء يختلف من غرفة الى أخرى..  من حيث ارتفاع قاعدة كل منها عن الأخرى, كما وجد حوض ماء مكسي بمادة الجص ويعتقد بأنه يستعمل للتطهير وكذلك وجود موقد لحرق البخور وكل هذه المرافق تعود للمعبد الرئيس في المدينة أما ماوجد في الموقع من قطع اثرية فقد عثر على العديد منها وان كانت قليلة العدد الا انها مهمة لتحديد تاريخ هذا الموقع ومن ضمن تلك القطع عدد من التماثيل المحطمة منها رأس لتمثال من المرمر مشوه ومن هذا يتضح بأنه لو استمر العمل بتنقيب هذا الموقع لتوضحت الصورة بشكل جيد ولتم اكتشاف موقع اثري مهم جدا.
وأردف الهاشمي:" وفي تنقيبات جزء من تل الكبان الذي يقع على طريق البتيرة /4/ كم غرب مركز مدينة العمارة تم العثور على بعض المباني التي تعود للعصور الإسلامية المتأخرة, وعلى الرغم من ان التل منبسط إلا انه قد ظهر في أثناء التنقيب وجود أسس بناء في عدة مناطق من التل كما عثر على بئر في مكان آخر وعثر على عدد كبير من قطع الفخار المنتشرة في عموم الموقع وكذلك على مجموعة كبيرة من الطابوق/ الفرشي/ وقد تم تنقيب عدة أقسام من التل المذكور اذ عثر على جدران مبنية بالطابوق الفرشي أيضا وقد استخدمت مادة الطين كمادة رابطة للبناء وعثر على بعض الغرف المبنية بالمواد المذكورة نفسها وعثر على مسطبة بنفس المواد التي بنيت فيها الغرف والجدران نفسها وعثر على حوض مبطن من الداخل بمادة القار كما وجدت في مكان آخر مجموعة من الغرف المتوسطة الحجم والمستطيلة الشكل والتي بنيت جدرانها بالطابوق الفرشي ولا تختلف كثيرا من عرض الجدران ونمط البناء وبلغ عدد الغرف ثلاثة شكلت بمجملها بيتا صغيرا وظهر خلال أعمال التنقيب عدد من القطع الأثرية كالجرار والصحون وقطع نحاسية ومرودان نحاسيان وكاحل وصحون وقطعة حجرية مستطيلة الشكل.
 ويشير الهاشمي الى ماتم العثور عليه في /تل العكر/ الذي يقع في منطقة الصحين التابعة لناحية الخير في قضاء المجر الكبير30كم جنوب غرب مدينة العمارة:" يعد هذا التل من المواقع الأثرية التي كانت مستوطنات بشرية سكنتها أقوام عديدة وأخرها عشيرتا/ الشغانية والعمشان/ قبل تجفيف الاهوار وكانت مساكنهم بيوتا من القصب تحيطها مساحات مائية كبيرة جدا وقد كافح السكان للعيش في تلك المناطق ووجدت آثار شاخصة كماكنة لطحن الحبوب وأرضيات لمدرسة وروضة أطفال ومركز للشرطة  تم بناؤها في ستينيات القرن الماضي ولكن هجرة السكان من المنطقة أحالت تلك الأبنية الى خرائب وبقايا أثرت كثيرا على الموقع الأثري اذ انها كانت تحتاج الى أموال كثيرة لإزالة تلك البقايا مما آل الى تركها والعمل في  أمكنة بعيدة عنها.
 ويضيف:" أما ماتعنيه التسمية/ تل العكر/ فقد اختلفت حولها الآراء فمنها انه يعني مساحات الماء المكشوفة بين القصب ومنها انها تعود للشخص الأول الذي سكن المنطقة.. ومن هنا يتبين بأن أهمية الموقع  تكمن في التعرف على حضارة المستوطنات التي ازدهرت في هور الصحين في القرن الثالث عشر الميلادي وفي / تل العكر/ كانت أقدم الاثار المكتشفة تعود للعصر الساساني ويمكن الافتراض بان آثار العصر الأموي كانت موجودة بشكل أو بأخر في المنطقة ولكن بسبب العصر القصير لهذا العصر جعل ملامحه الفنية متأثرة بملامح العصر السابق ويصعب تحديدها دون نص كتابي الا انه لم تكن الاثار الساسانية المكتشفة متميزة عن معاصراتها في المواقع الأخرى من خلال وجود حلقات محفورة على حافات الصخور المنقوشة  وحسب العقيدة الزرادشتية التي كانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الفارسية الثلاث/ الاخمينية/ الفرثية/ الساسانية/ وكذلك السمة العباسية اذ تم العثور على بنايتين تضمان ساحة واحدة اذ ظهر الاهتمام ببنائهما بالطابوق كما تم العثور على تنور وجرة للخزن كسيت بقطع الطابوق المسحوق واللبن.
 ويقول:" ان موقع العكر قد مر بعدة عصور شهدت قيام وانهيار عدة حضارات او إمبراطوريات كان آخرها الإمبراطورية العثمانية التي هيمنت على العراق لأربعة قرون تركت فيها البلاد خرابا ومن معالم هذا الخراب انهيار مشاريع الري الذي أدى الى طغيان مياه الفيضانات على الحواضر القديمة وانتشار مياه الاهوار على رقعة جغرافية واسعة وموقع العكر واحد من تلك الحواضر التي غمرتها المياه وتركت طبقة غرينية غطت سطحه ولذلك تحول سكان المنطقة الى صيادين  ومربي مواشي بعد هجر مدنهم القديمة مثلما هجروا بيوتهم التي كانت مشيدة بالطابوق واللبن واستبدلوها ببيوت من القصب البردي أنشئت على حافات المياه وفوق المواقع الأثرية المحاطة بالمياه.
 وقد عثر اثناء التنقيب الأثري على عدد من قطع صحون فخارية وجرار وآنية واكواب مزخرفة وكؤوس.
  أما الدكتور  حميد حسن طاهر الباحث في علم المناخ التطبيقي الزراعي في العراق فيقول:" انه يتضح من خلال البحوث والقراءة الوافية لطبيعة المواقع التراثية  لشرق وغرب دجلة في ميسان ومخرجات دائرة آثار ميسان:"ان تلال ميسان تعرض بعضها للتخريب والهدم بسبب أعمال التنقيب عن النفط او حفر المشاريع الاروائية أو أعمال الجيش العراقي السابق .. او أعمال السطو واللصوصية فيما أظهرت اعمال التنقيبات لبعض المناطق العثور على لقى أثرية تعود لفترة السلالات القديمة والإسلامية والعصر الحديث وينبغي رفد متحف ميسان بها وعرضها فنيا للمواطنين كما ان استمرار اعمال تخريب هذه التلول يؤدي الى إجهاض توقعات الباحثين والجهات الأخرى للحصول على آثار مهمة ستكون موضع تقديرهم ومشاريع بحوثهم.
 ويرى طاهر ضرورة إسناد حماية هذه الاثار الى جهات مسؤولة عن أمنها بالتعاون مع سكان مناطقها وبحراسات مكثفة لقطع الطريق أمام اللصوص وغيرهم كما ان عمليات البحث والتنقيب عن النفط أدى الى تغيير ملامح مناطق التلول الغنية بثرواتها النفطية بعد ان أحيلت الى عدد من الشركات النفطية التي عملت على تقطيعها.. مشيرا الى أهمية هذه التلول وتكثيف التنقيب عنها كفيل بالوصول الى حقائق جديدة عن تاريخ ميسان الذي ظل عرضة للتكهن والحدس بعيدا عن الدقة العلمية وعند ذاك سيكون متحف ميسان بعد عمليات التنقيب في تلولها حافلا بآثارها ومن ثم سيكون رافدا للمتحف العراقي ليكون منهلا لرواد العلم والباحثين والطلبة في مختلف المواقع الدراسية./انتهى


http://www.qzal.net/

0 التعليقات :