آخر الأخبار

الخميس، 26 سبتمبر 2013

العباءة الرجالية.. موروث جميل وهوية عربية



/ماجد البلداوي /
عرفت علاقة العربي بفرسه منذ القدم حتى أخذ يتغزل بهذه العلاقة وينظم القصائد الى الآن لاتزال من الإبداعات الأدبية الخالدة وللرجل العربي علاقة أخرى حميمة لا تقل أهمية عن علاقته بفرسه إلا وهي علاقته بعباءته فأن للعباءة مكانة كبيرة عند العرب منذ أقدم العصور فهي التي تقيه برد الشتاء وحرارة شمس الصحراء وتقي وجهه رمال الهيجاء ورغم تطور الحياة بقيت العباءة رمزا لعدد كبير من الرجال الذين يشعرون بأن أناقتهم لا تكتمل إلا بالعباءة، وقد كانت العباءة ولا تزال من الهدايا التي تقدم للشخصيات المرموقة كالرؤساء والأمراء والقضاة على ان هدية العباءة تعد من أغلى الهدايا لمن تهدى إليه إذا أن فيها تعابير كبيرة قد لا توجد في غيرها من الهدايا، وللعباءة أنواع مختلفة تتفاوت أسعارها بشكل متفاوت وقد تصل إحداها الى عشرة  أضعاف سعر الأخرى ومن أهم أنواع العباءات هي العباءة النجفية التي تتصدر أنواع العباءات قديما وحديثا تليها عباءة دشت التي يتغير لونها تبعا للإضاءة الموجودة والعباءة الحسائية واللندني والماريني.
واشتهر العراق بالعباءة الرجالية وخاصة في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، ومن أشهر صانعي العباءة الحاج /طالب الشمري/ من محافظة ميسان  حيث حدثنا عن عمله قائلا:- لقد توارثنا هذا العمل جيلا بعد جيل لان الذي يعمل بهذه الحرفة يجب ان يكون خبيرا بها لان أي خطأ قد يؤدي الى خسائر مادية كبيرة، أما عن مراحل عمل العباءة فأن العباءة تدخل بمراحل عديدة حيث تجمع الأصواف الجيدة في موسم جز الصوف /الكصاص/ والتي تصلح للغزل وخاصة (حوايا) الأغنام وظهورها ثم تغسل جيدا بعدها تقوم مجموعة من الرجال الماهرين (الغزالون) بغزل هذه الأصواف وبعد إتمام الغزل المطلوب ترسل الى النساجين /الحياك/ لتصبح عباءة أو ما يسمى /بالخاجية/ ثم يأتي دورنا نحن الخياطون وهي آخر مرحلة من مراحل هذه الحرفة بعدها تصبح جاهزة للبس وللعباءة عدة أنواع منها الصيفي التي تسمى /الخاجية أو البشت/ ومنها الشتوي التي تسمى العباءة وتختلف العباءة حسب نوع الأصواف المستخدمة في صناعتها فمنها ما يصنع من الوبر ومصدره الابل والصوف من الغنم ومنها ما يصنع من القماش المستورد وكما تتعدد أنواع العباءة تتعدد  طرق خياطتها ومن أهم أنواع الخياطة (الجاسبي) وخياطة التحرير وأنواع أخرى عديدة حسب ذوق المشتري وقد اشتهر بهذه المهنة خياطون كثيرون منهم المرحوم الحاج محمد تقي محبوبة والمرحوم خنجر علاوي والمرحوم الحاج كيطان والمرحوم الحاج مجاري والمرحوم يعقوب العطية والمرحوم عبد الحسين عتيد وعبد الأمير حنظل والحاج هاني عبد النبي.وقد تستغرق صناعة العباءة الواحدة من ثلاثة الى خمسة أسابيع وقد أتخذ الرجل العربي العباءة رمزا  لعروبته وأصالته وهي مما يفتخر به الرجل وكلما كانت العباءة من نوع فاخر زاد تبختر وشموخ مرتديها.يقول ناصر حسين العبودي في كتابه الأزياء الشعبية كتابه /البشت/ يسميه الإيرانيون بوشت وكلمة بوشت معناها بالفارسية خلف ومعناه ما يلف على الخلف أي ما يلبس على الظهر.ولكن هناك رأياً آخر يقول بأن هذه الكلمة إنما جاءت من إفغانستان نسبة الى قبائل /بشتكو/ وللعباءة طريقة خاصة أيضا في لبسها وعند خلعها فهي لا تعامل كبقية الملابس وإنما يجب ان ترتب بطريقة خاصة بها قد لا يقدر عليها لأمن عشق للعباءة العربية.وقد إحتفظ بعض الناس بعباءات آبائهم وأجدادهم خاصة إذا كانوا رؤساء أو شعراء وقد تجد بعضهم يعلقها في صالة إستقبال الضيوف تعبيراً عن إعتزازه بنسبه الأصيل.وقد كان العرب يعدون العباءة أغلى من الذهب والأموال فأن تكريم المبدع كان عندما يرتقي الى أعلى مستوياته فأن ذلك لا يحدد إلا بإهداء العباءة وقد قام الإمام الرضا (ع) بإهداء عباءته الى الشاعر /دعبل الخزاعي/ بعد ان أنشد قصيدة تعتبر من روائع الأدب العربي ولا تتعجب فأن للعباءة قدسية كبيرة فقد عرف عند أبناء الجنوب عندما يحدث نزاع عشائري كبير وتقوم كل قبيلة بأخذ استعدادتها لبدء معركة دامية مع الطرف الآخر قد تؤدي الى مقتل العشرات فأن هذا النزاع يتوقف فورا عندما يقوم أحد الوجهاء بإلقاء عباءته بين الطرفين عندها تسكن النفوس الغاضبة ويصار الى الحوار فحري بنا ان نرجع الى أعرافنا القديمة عسى ان نكون ممن تهدأ نفوسهم ونجلس للحوار في ما بيننا….. /بردة الرسول وقصيدة البردة/

  بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

             متيم أثرها لم يفد مكبول

  وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

       إلاّ أغن غضيض الطرف مكحول

   نبئت ان رسول الله أوعدني

       والعفو عند رسول الله مامول


هذا مطلع من قصيدة البردة التي ألقاها الشاعر كعب بن زهير أمام الرسول الأعظم محمد (ص) بعدما أعلن توبته وكان قبلها يهجو الرسول ..فما كان من رسول الرحمة إلا أن عفا عنه وألقى عباءته (البردة) عليه كدليل على السماح والعفو وأصبحت تلك العباءة أشهرها على الإطلاق وكل ما كتب بعد ذلك من قصائد أطلق عليه نهج البردة أي عباءة الرسول (ص).. وهذا مايؤكد أهمية العباءة في التأريخ العربي والاسلامي.و يقول  العبايجي فالح عبد الحسن عنيد ( 63 سنة ) ، احد رواد هذه المهنة في  العمارة تعلمت هذه الحرفة من والدي رحمه الله وهو معروف في قضاء المجر الكبير وعلى مستوى المحافظة والعراق ، إذ عمل في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي بعد أن تعلم فنونها على يد الاسطى ( يعقوب عطية ) الذي اشتهر بهذه الحرفة في الأوساط الشعبية في مطلع القرن الماضي ويشير عنيد إلى ابرز الأنواع الرائجة من العباءة الرجالية فهناك نوع الخاجية الصيفية الذي يصنع بطريقة يدوية متعبة ودقيقة ومن الأصواف الطبيعية المختارة الألوان اذ عادة ماتكون (الخاجية ) جميلة وخفيفة ، ويستطيع الشخص تمييز الملابس من خلالها .. واللون المرغوب للزبون عادة مايكون الأسود أو الأصفر الصاجي ( الأشقر)أما مراحل صناعة ( الخاجية الصيفية ) وموادها الأولية ، فقد أشار عنيد :أنها عادة ما يتكفل بها العبايجي ويبدأ باختيار الخيوط المختارة اللون من صوف الأغنام الجيدة والطبيعية التي يستغرق غزلها بطريقة يدوية مدة شهر تقريبا وان تكون خيوطها ( الخاجية الصيفية ) دقيقة رفيعة .. بعدها ترسل إلى الحائك ليتم نسجها لتصبح بعد ذلك قطعة واحدة يتم خياطتها حسب القياس والنوع المرغوب من الزبون.أما عدي فالح (36 سنة ) ، صانع عباءات الذي تعلم الحرفة من والده ، فقد أشار إلى إن سبب ارتفاع أسعار خيوط ( الكلبدون ) الذهبية اللون المستخدمة في صناعة العباءة الرجالية  لأنها شرائح تصنع من الفضة والنحاس ملفوفة حول خيوط قطنية ناعمة مطلية بماء الذهب تطلى بشمع العسل قبل خياطتها .. وهي متنوعة وتباع بأسعار متفاوتة وحسب كميات المواد المذكورة في صناعتها وأضاف فالح :إن سعر الخاجية الصيفية الجيدة يتعدى مليون دينار أحيانا ، وخاصة النوع الذي يسمى ( الجاسبي ) والذي يعتقد بأن هذه التسمية جاءت نسبة إلى اسم أول رجل ارتدى هذا اللون من الخياطة وهو الشيخ ( جاسب بن الشيخ خزعل ألكعبي ) أمير مدينة المحمرة في مطلع القرن الماضي  وقال العبايجي محمد سالم المجراوي ( 57 ) سنة الذي توارث هذه الحرفة أبا عن جد الحرفة انتعشت وتميزت في قضاء المجر الكبير (35كم جنوب العمارة) كونها من المناطق الرئيسية لشيوخ عدد من العشائر الجنوبية المعروفة ومنهم شيوخ عشائر آل بو محمد الذين عرفوا بميلهم ومحبتهم لهذا اللون من العباءة الرجالية المكلفة وأضاف  إمكانياتهم ( شيوخ العشائر ) المادية الكبيرة كانت تمكنهم من تحقيق هذا المبتغى ، كما إن الكثير من طلباتهم كانت تذهب على شكل هدايا لشيوخ ووجهاء مناطق أخرى في العراق والخليج وذكر المجرواي بعض الأسماء التي تطلق على العباءة الرجالية في عدد من الدول العربية ومنها دول الخليج حيث تسمى العباءة الرجالية هناك ( البشت ) و( الاحسائية ) نسبة إلى منطقة الإحساء في المملكة العربية السعودية.. كما إن البدو يطلقون على العباءة كلمة ( المزوية )وأشار المجراوي إلى : انه  رغم تكلفتها العالية .. تبقى العباءة الرجالية زينة الرجال صيفا وشتاء ، ومهما تقادم الزمن فان الأبناء يبقون أوفياء لمهنة درج عليها آباؤهم .. ولعل هذا سر بقائها.






0 التعليقات :

إرسال تعليق